"الذكاء الاصطناعي".. خطر وجودي على العنصر البشري أم ضرورة تكنولوجية؟
"الذكاء الاصطناعي".. خطر وجودي على العنصر البشري أم ضرورة تكنولوجية؟
أستاذ إعلام بجامعة القاهرة لـ«جسور بوست»: برمجيات الذكاء الاصطناعي لا تزال عصية على اقتحام غرف الأخبار العربية
رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان لـ«جسور بوست»: تجب مراعاة عدم تدمير الخصوصية على طاولة الذكاء الاصطناعي
كسلاح ذي حدين، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون طوقا لنجاة البشرية من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تُواجهها، وفي الوقت ذاته يقف متهما في قفص انتهاك الخصوصية والأمن وحقوق الإنسان.
ووفق المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، أودري أزولاي، فإنه لا يوجد حتى الآن إطار أخلاقي دولي ينطبق على جملة تطوّرات الذكاء الاصطِناعي وتطبيقاته، ومن ثم فإن هناك ضرورة لإيجاد آليّة دولية تُحدّد المعايير في هذا المجال.
الذكاء الاصطناعي، سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، أبرزها القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة.
وتكمن خطورة مجال الذكاء الاصطناعي في كونه يتطور بسرعة فائقة، مقابل بطء شديد في تطوير البيئة القانونية والاجتماعية والأخلاقية المُنظمة له، إلى حد تحقق استقلاليّة الآلة وقدرتها على اتّخاذ القرار أو ترسيخ ما يُسمّى بفترة "تعلّم الآلة".
وفي سبتمبر 2021، عبّرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، عن هذه المخاوف قائلة: "هناك ضرورة ملحة لوقف بيع واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل خطرًا جسيمًا يهدّد حقوق الإنسان".
ودعت باشيليت إلى حظر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي لا يمكن استخدامها بما يتماشى والقانون الدولي لحقوق الإنسان، معتبرة أن الذكاء الاصطناعي قد يستخدم كقوة لنشر الخير، لكن قد يحمل أيضا آثارًا سلبية وكارثية، إذا تم استخدامها من دون اهتمام بكيفية تأثيرها على حقوق الإنسان.
الذكاء وحقوق الإنسان
وينصح المراقبون والخبراء بأن يقوم استخدام الذكاء الاصطناعي على أسس إنسانية تترتكز على قيم وثوابت سامية تتصل بالحقوق والحريات العامة والخاصة للإنسان في العالم أجمع، وكذلك تسخير الخوارزميات لحماية الحقوق والحريات بدل تكريسها لانتهاكها وتعريضها للخطر.
ووفق المتخصصين قد يتم تسخير الذكاء الصناعي لإنقاذ الأرواح حين يتم تصميم برامج تتنبأ بحدوث الكوارث الطبيعية وتعزز وسائل الوقاية منها أو تساعد في معالجة آثارها، فضلا عن المساهمة في تحقيق التنمية البشرية والصناعية والزراعية في البلدان الأكثر فقراً وتضرراً في العالم.
وبشأن تجنب أضراره، تتنامى الدعوات بوضع معايير ترشد الاستخدام وتمنع الانحراف في الانتفاع بالذكاء الاصطناعي في الإساءة لملف حقوق الإنسان، كتتبع المعارضين السياسيين ومحاولة التشهير بهم أو اختراق حساباتهم وهواتفهم للتنصت على مكالماتهم.
وكذلك الدعوة لوضع قواعد نموذجية دولية تسترشد بها الدول في سن القوانين الوطنية لتنظيم السياسات الحكومية إزاء استعمالات الذكاء الصناعي، لتكون القواعد موحدة ووفق سياق أخلاقي هادف إلى استثمار التكنولوجيا لخدمة الإنسان.
الذكاء والإعلام
وتبرز أهمية الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام بتحرير الصحفيين من أداء المهام الروتينية وإتاحة المزيد من الوقت للعمل على الجوانب التي تتطلب إبداعا بشريا، إذ يساعد الذكاء على توسيع التغطيات الإعلامية واقتراح وإنشاء القصص والتفاعل الفوري من البيانات وربطها بالقصص الخبرية.
كما يستطيع الذكاء الاصطناعي محاربة الأخبار غير الدقيقة أو غير الصحيحة من خلال برامج مفتوحة المصدر ومتاحة للجمهور تعمل على مسح وكشف حسابات منصات التواصل الاجتماعي الوهمية أو الزائفة.
ويستبعد الخبراء والمراقبون أن تحل أنظمة وبرامج الذكاء الاصطناعي للعنصر البشري في مجال الإعلام، نظرا لصعوبة محاكاة تلك البرامج الإلكترونية للحس البشري في الصياغة الإعلامية واستخدام المشاعر الإنسانية في الكتابة الصحفية.
كما سيقتصر استخدام التطبيقات الإلكترونية والتكنولوجية في الأعمال اليومية الروتينية من أجل أن يتفرغ الإعلاميون للتغطيات الثرية إنسانيا والأنشطة الأكثر إبداعا وابتكارا وحيوية.
ليست بديلة
بدوره، استبعد رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة الدكتور شريف درويش، أن تحل برمجيات الذكاء الاصطناعي بديلا عن العنصر البشري في تقديم المحتوى الصحفي.
وأوضح درويش في تصريح لـ«جسور بوست» أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد في تقديم العواجل الجديدة وتجميع أهم الأخبار في لحظة وقوعها، ونتائج البطولات القارية أو ملخص الدوريات الأجنبية وغيرها من الاستخدامات التي توفر الجهد البشري وتقدم بيانات تتسم بالدقة والسرعة.
وأضاف: "تلك البرمجيات التكنولوجية المتطورة لا تزال عصية على اقتحام غرف الأخبار العربية، بسبب تراجع المواكبة عن أحدث التطورات التقنية في عالم الصحافة والإعلام، فضلا عن المخاوف الاعتيادية من أن تحل التكنولوجيا بديلا للإنسان".
ومضى درويش قائلا: "المنطقة العربية ما زالت في مرحلة الإرهاصات الأولى في استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي، لأنها حتى الآن تتشبث بالصحافة الورقية التقليدية التي تحافظ على رونقها لدى القيادات التنفيذية وصانعي السياسات".
وتابع: "حتى العاملون في الصحافة الإلكترونية يقومون بإعادة إنتاج المحتوى الإعلامي الورقي دون ابتكار أو تغيير وتطوير في المعالجة، ما يساهم في صعوبة إدخال تلك التقنيات التكنولوجية على المواقع الإلكترونية".
حماية الخصوصية
فيما اعتبر رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان علاء شلبي، أن ثورة الذكاء الاصطناعي لها العديد من الجوانب الإيجابية في مختلف المجالات وخاصة الصحية والطبية والبيئية وغيرها.
في المقابل شدد شلبي في تصريح لـ«جسور بوست» على ضرورة حماية الحق في الخصوصية وفرض المعايير اللازمة بالحفاظ على الحقوق والحريات في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي المذهلة.
وأضاف: "يجب على الشركات العملاقة المشغلة لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تفرض معايير خاصة لعدم انتهاك الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات والتفاعلات الإلكترونية للأفراد والجماعات".
وتابع: "نحتاج إلى إرادة سياسية دولية واضحة لخفض الآثار السلبية المعتمدة على إفشاء المعلومات والبيانات بهدف تحليل أنماط السلوكيات الشخصية لأغراض التسويق والدعاية الإعلانية".
وأشار شلبي إلى أهمية دور الحكومات العربية في حماية الخصوصية لمواطنيها، لا سيما أن هذه التقنيات الحديثة عابرة للحدود، وأحيانا تعصف بسيادة الدول، وتضعف حصانتها السياسية والأمنية".
وعن إيجابيات الذكاء الاصطناعي في مجال حقوق الإنسان، قال شلبي: "من خلال الأقمار الصناعية تم الكشف عن أماكن المقابر الجماعية في سوريا وليبيا وغيرها، إلى جانب توثيق جرائم الحرب".